فلسـفة الإلكتــرون.. مالم نكـن نعـلمه..
فلسـفة
الإلكتــرون.. مالم نكـن نعـلمه..
هناك الكثير من يعرف
الالكترون كاصطلاح عام, ولكن القليل جدا من توصل الى جزء من حقيقته التي تكاد تخفي الكثير في طياتها, فلو سألنا احدهم ما هو الالكترون؟ يعتقد البعض
بانه سؤال غاية في السهولة بانه احد مكونات الذرة والتي تدور حول النواة... لكن يجب ان نسلط الضوء اكثر على هذا الالكترون لنعرف ماهية الالكترون؟؟؟...وما أهميته؟؟؟...ولماذا نقوم بدراسته؟؟؟
لهذا كله سوف
أقوم بقدر المستطاع بتوضيح مفهوم الالكترون والكيفية التي يتصرف بها وما أهميته
للذرة وما أهمية اكتشافه في حياتنا اليومية, اردت ان أشارك المهتمين في هذا المجال
بوصف لطيف للإلكترون ليمكننا من تكوين فكرة او تصور عن هذا الشيء الذي لطالما اجهد
علماء كثر قاموا على اكتشافه ودراسته ومحاولة الوصول الى حقيقته الخفية.
ان جميع
الفيزيائيين كانوا متفقين بان الذرة تشكل المكون النهائي لتجزئة المادة وان كل جسم
يتكون بطبيعته من جسيمات متناهية الصغر وهي الذرات والتي لا يوجد بعدها شيء
واعتبرت كمسلمة في علم الفيزياء, الى ان توارت الأبحاث والاكتشافات لتفنيد هذه
المسلمة التي لطالما كان الفيزيائيون متفقون عليها لقرون عدة وذلك باكتشاف مكونات
اصغر بكثير من الذرة نفسها كالنواة واصغر بكثير من النواة كالبروتونات والنيترونات
والالكترونات, لكن في هذا موضوعنا هذا سوف نركز على الالكترونات فقط لنتعمق في
دراسته وفهم طبيعته.
تم تعريف الالكترون في دراستنا الابتدائية
والثانوية فانه عبارة عن جسيم صغير جدا (دون ذري**) يحمل شحنة سالبة ويقوم
بالدوران حول النواة مليارات المرات في الثانية الواحدة, لنتذكر هذا التعريف
البسيط الذي سوف يتغير الى الامام شيئا فشيئا الى مفهوم اخر مغاير في بعض الصفات,
كانت بدايات دراسة الالكترون في القرن التاسع عشر الذي لم يكن معروفا انذاك باسم
الالكترون وانما تم اكتشاف الاشعة المهبطية عن طريق العالم الألماني "يوهان
هيتورف" (Johann Hittorf) والذي يعد اول من قام بملاحظة سيل من الاشعة
خلال حركتها في أنبوب زجاجي مفرغ والمزود بقطبين (المصعد والمهبط) عند تطبيق جهد
كهربائي والتي سميت فيما بعد بالأشعة المهبطية عن طريق العالم الالماني اوجين
غولدشتاين, وقد قام عدد من العلماء بدراسة هذه الاشعة ومنهم العالم الألماني "ڤيلهيم رونجن**" (Wilhelm
Röntgen)
وذلك من خلال تجربته في التفريغ الكهربائي في الفراغ وذلك باستخدام أنبوب كروكس
نسبة للعالم البريطاني "ويليام كروكس" (William
Crookes)
ولاحظ مرور الاشعة من المهبط الى المصعد, ومن ثم جاء العالم الايرلندي جورج ستوني
(George Stoney)
والذي اكتشف بان هذه الاشعة تحمل شحنة سالبة وسماه ب الجسيمات المشحونة (Corpuscle) وهو اول من عمل على
تقديم مفهوم الالكترون كمفهوم في علم الكهرباء لكن لم يحالفه الحظ بوضع مصطلح
الالكترون كمصطلح صريح له لكنه باعتقادي هو اول من وضع حجر الأساس في اكتشاف
الالكترون ومعه العالم الإنجليزي ريتشارد لامينج (Richard
Laming)
الذي تصور بأن هناك جسيمات تحمل شحنة موحدة تنتقل من المهبط الى المصعد.
جاء العالم الإنجليزي جوزيف ثومسون (Joseph
Thomson)
وقام بدراسة الاشعة المهبطية وجسيمات ستوني تلك وذلك باستخدام أنبوب كروكس واكتشف
انها ليست اشعة وانما هي سيل من الجسيمات سالبة الشحنة التي تتأثر بالمجال
الكهربائي والمغناطيسي واطلق عليها اسم الالكترون وقد قام بحساب سرعته والتي تقدر ب2200 كم/الثانية عند تطبيق فرق جهد 100 فولت.
وبفضل التجارب
والقياسات التي أجريت فيما بعد استطاع الفيزيائيون بتقدير كتلة الالكترونات كجزء
من 1836 جزء من كتلة اخف الذرات وهي عنصر الهيدروجين ويحمل شحنة صغيرا جدا حتى انه
قد نحتاج الى سيل يحتوي على 6 تريليون الكترون لعمل تيار كهربائي من ميكرو أمبير
واحد فقط.
ان اكتشاف
الالكترون كان من ارفع الاكتشافات العلمية قدرا حتى يومنا هذا حيث ان الالكترونات
وعددها هو الذي يحدد طبيعة المواد وهو الذي يتحكم بخواصها الكيميائية كقابليتها
للتفاعل والفيزيائية كالموصلية للكهرباء والحرارة, وقد ساعد ذلك على فهم طبيعة
تكوين الذرة والتي بدورها هي عبارة عن نواة وبروتونات ونيترونات والكترونات, ويحيط
بالنواة مدارات تسير بها الالكترونات وتكون الالكترونات الدوارة في المدارات
القريبة اكثر تعلقا وانجذابا بالنواة والبعيدة منها يكون اقل تعلقا, لهذا عندما
يحدث تفاعل بين ذرتين فان احداهما يقوم بانتزاع الالكترونات في المدارات الخارجية
والتي تعد فريسة سهلة وذلك بسبب قلة تعلقها بالنواة, فعلى سبيل المثال عند اقتراب
ذرة أكسجين من ذرتي هيدروجين فان ذرة الاكسجين تكون بحاجة الى الكترونين فتقوم
بنزع الكترون واحد من كل ذرة هيدروجين لتكوين جزيء الماء H2O
.
بعد اكتشاف
الالكترون قام العديد من العلماء بوضع تصوير لبنية الذرة الذي بأهم العالم ثومسون
بأن الذرة هي عبارة عن كرة مجوفة مملوءة بشحنات موجبة وتوجد الالكترونات سالبة
الشحنة معها في الداخل وقد قوبل هذا التصور بالرفض من المجتمع الفيزيائي لأنه لم
يكن مدعما باي من التجارب, ثم جاء تلميذه العالم البريطاني ارنست رذرفورد (Ernest Rutherford) عندما قام باكتشاف
النواة ووجودها داخل الذرة وذلك عن طريق تسليط اشعة ألفا الموجبة على رقاقة من
الذهب والذي تبين أن بعض الأشعة ينعكس والآخر ينكسر، ومعظمها ينفذ، ودل ذلك على
وجود بعض المساحات الفارغة في جسم الذرة، وأيضًا دل على وجود جسيمات تحمل نفس شحنة
الأشعة، وهناك جسيمات تحمل شحنة مختلفة عن شحنة الأشعة, لذا استنتج ان معظم حجم
الذرة فراغ وذلك عن طريق نفاذ الجزء الأكبر من اشعة ألفا ، وأنه يوجد في الذرة جزء
ذو كثافة عالية ويشغل حيزاً صغيراً جداً وتتركز فيه كتلة الذرة وهو الجزء الذي انعكست
منه الاشعة عن مسارها وهو النواة ذي
الشحنة الموجبة حيث ان الاشعة عندما اقتربت من النواة المشحونة بشحنة مشابهة
(موجبة) تنافرت معها الاشعة منحرفة عنها.
لذا قام رذرفورد
بوضع تصور لطيف للذرة بان صورها بالنظام الشمسي أي ان الذرة عبارة عن نواة تتمركز
فيها معظم كتلة الذرة ومن حولها تدور الالكترونات السالبة صغيرة الكتلة بمدارات
ثابتة, وتكون شحنة النواة الموجبة مساوية لمجموع الشحنات السالبة للإلكترونات
الدوارة لمعادلتها لتكون مستقرة, فمثلا في ذرة الهيدروجين هناك نواة يدور حولها
الكترون واحر فقط فان شحنة النواة يجب ان تكون بالقدر الكافي لتعادل شحنة
الالكترون الوحيد هذا ويمكننا القول بان شحنة النواة في ذرة الهيدروجين مساوية
لشحنة الالكترون لكن تختلف معها في الشحنة (مساوية كمية وليس نوعا) وفي ذرة
الليثيوم التي تحتوي ثلاثة الكترونات بمدارين فان شحنة نواتها بالضرورة ان تعادل
قيمة شحنة الالكترونات الثلاثة معا وهلم ما جرى. فلنتذكر هذه النتيجة المهمة والتي
سوف تكشف لنا الكثير عن التصور الكامل للنظام الشمسي والكون برمته.
وأريد هنا ان
اصحح مفهوم الخاطئ لدى البعض بان المدارات التي تدور فيها الالكترونات ليست خطوطا
دائرية حول النواة في بعدين فقط وانما هي كروية او بيضاوية تحيط بالنواة بالأبعاد
الثلاثة, ولتقريب الصورة علينا ان نتخيل النواة ككرة معدنية يحيط بها فقاعات شفافة
من رغوة الصابون والتي تمثل المدارات وعلى سطح هذه الفقاعات تدور الالكترونات.
ومن هذا التصور
الذي وضعه رذرفورد نستنتج ان معظم كتلة الذرة متركزة في نواتها وان كتلة
الالكترونات الدوارة قد لا تساوي شيئا مقارنة بكتلة النواة لذا فانه عند حساب كتلة
الذرة قد نهمل كتلة الالكترونات الضئيلة لكن لا يمكن اهمال شحنتها ابدا فهي التي
تحدد المسار التي تتصرف فيه الذرة فيزيائيا وكيميائيا كما ذكرنا سابقا بان
الالكترونات هي المسؤولة عن تحديد هذه الخواص.
بعد ذلك جاء العالم
الدانماركي نيلز بور (Niels Bohr) الذي وافق رذرفورد بتصوره في نموذج الذرة
ولكن قام بإضافة لطيفة وهي ان الالكترونات تنتقل عبر مداراتها العليا او السفلى عن
طريق امتصاص الطاقة او بثها فان قام الالكترون باكتساب طاقة فان ذلك يؤدي الى
انتقاله الى مدار اعلى بعيدا عن النواة بقدر الطاقة المكتسبة وان قام ببثها يرجع
الى المدار الذي كان عليه او الى مدار سفلي بقدر ما بث من طاقة, فبصورة أخرى فان
أي مادة تصدر اشعاعا او حرارة (سخونة أو برودة) او تهوجا وميضيا فعليك ان تعلم
حينها ان هناك عملية انتقال الكتروني في مداراته وهناك طاقات تكتسب وتبث داخل
الذرة, وقد عمل هذا التصور على تبيان كيف للذرة ان تشع.
ان هناك
قيمة معينة للطاقة اللازمة لتحرر الالكترون وهو ما أطلقت عليه اسم "الحد الأدنى لتحرر الالكترون"
(Electron Releasing's Threshold)
والا سوف يبقى مقيدا بلا حراك, ومن وجه اخر فان حصل على طاقة فوق الحد الأدنى فان
الالكترون يأخذ حاجته من الطاقة لتحرره الى مدار الاخر بقدر الطاقة التي اكتسبها
ويقوم بإشعاع الطاقة الزائدة عن حاجته فهو ليس بذاك الطمع ليأخذ اكثر من حاجته,
وبهذا تشع المادة اشعاعاتها طاردة ما يزيد عن حاجتها وهذا الموضوع سوف نتطرق اليه
بعد قليل عندما نصف الالكترون عن طريق نظريو الكم حيث ان بعضا من هذه الطاقة
الزائدة تعطي دفعا للإشعاعات (فوتونات) الصادرة من الذرة أي انها تكسبها طاقة
حركية تندفع بها.
هل تلاحظون معي
كيف ان مفهوم الذرة والالكترون اصبح يتغير شيئا فشيئا, ليس ذلك فحسب وانما يصبح
التصور اكثر تعقيدا ليس كما كان التصور الاولي للذرة والالكترون بانهما ذلك
التكوين الذي يحتوي على نواة والكترونات دوارة حولها بدون فهم ما هي طبيعة ذلك
التكوين وما الذي يجعله متماسكا بصورته الطبيعية.
أرى بعد كل هذا
بانه آن الأوان لنزيد الجرعة قليلا لنتعرف على هذا الالكترون الغريب الاطوار بشكل
أوضح وان كان هناك بعض الصعوبة في استيعابها لدى البعض من غير الفيزيائيين, ان
الالكترونات عندما تتحرر من مدار الى اخر فإنها تتحرر وفق اكتساب طاقة كافية
لتحريره وتختلف باختلاف بعد المدرات عن بعضها البعض فيجب ان نعلم ان الابعاد ليست
متساوية بين مدار واخر فكل مدارين بينمها بعد معين وعليه يحتاج الى طاقة معينة
بناءا على هذا البعد, فهو في طبيعة الحال وان صح التعبير يسكن في مكانه جبرا
(مقيدا) مالم تأتي طاقة كافية لتحرره, ان الفكرة التي اريد ايصالها "بان
الالكترون في حقيقته يهوى ان يكون حرا طليقا بدون اية قيود او أي قوى تجبره على
الالتصاق بالنواة والدوران حولها وهذه هي طبيعته التي خلق عليها منذ بداية الكون او
حتى ما قبل الانفجار العظيم, فهو يحاول دائما الفرار الى ماضيه الذي نشأ عليه وهو
الحرية والانحلال بنفسه".
قضية
للبحث:
اذا كان هناك
ذرة تحتوي على نواة وحولها 5 مدارات وقمنا بإكساب الالكترون في المدار الثاني طاقة
تمكنه من التحرر الى ما بعد المدار الرابع بمسافة نصف البعد, فان من البديهي ان
الالكترون سوف ينتقل الى المدار الرابع ويقوم ببث الطاقة الزائدة كإشعاع, السؤال
هنا هل الالكترون يقطع المسافة بين المدار الرابع والخامس بقدر الطاقة الزائدة
والتي تمكنه من بلوغ منتصف البعد بين الرابع والخامس ثم يعود للرابع لعدم مقدرته
على اكمال مشواره ام انه منذ البداية يبقى مكانه ويكون على علم بان الطاقة الزائدة
لن تمكنه من بلوغ الخامس فلا داعي للتحرك من الرابع ابدا؟؟؟!!!
ثم جاء بعد ذلك
تفسير غريب الاطوار في كيفية اشعاع تلك الطاقة عن طريق الالكترون وذلك بانها تشع
بشكل كمي وسميت (كما طاقيا) أي ان الالكترون عندما يتحرك من مدار الى اخر فانه
يقوم ببث او اكتساب طاقة على شكل كمات وهو أساس الفيزياء الكمومية او الكوانتوم (َQuantum) وأول من وضع هذا التصور
هو عالمنا الألماني الكبير ماكس بلانك (Max Plank ) والذي يعتبر ابو
الفيزياء الكمومية والذي درس الاشعاع على الجسم الأسود وتبين ان هناك اشعاعات
كمومية متذبذبة وتبين له بانها تتناسب بشكل طردي مع تردد الاشعاع الساقط او المسلط
عليه, وتعد هذه النتيجة المحور الأساسي لنظرية الكم التي أحدثت تغيرا في عالم
الفيزياء والتي بدورها تبين طبيعة الاجسام بشكل ادق مما كانت عليه الفيزياء
الكلاسيكية النيوتينية (نسبة الى العالم نيوتن) الذي يفسر الأشياء فيزيائيا بوجود
شرطين أساسيين ان تكون الاجسام كبيرة والأخر ان يكون الجسم في نظام ثلاثي الابعاد
فقط, حيث اننا لا يمكننا تطبيق نظريات نيوتن في الحركة على جسيمات صغيرة كالذرات
مثلا لأننا لو اردنا ان نحسب مقدار الحركة للذرات حسب قوانين نيوتن فان علينا ان
نقوم بحل مليارات المليارات من المعادلات لان المادة بطبيعتها تتكون من عدد هائل
من الذرات يصعب تطبيق معادلات نيوتن عليها وانما نحتاج الى معادلة أخرى تقوم بحل
هذه المعضلة وهذا هو سبب اعتماد نظرية الكم كنظرية شمولية غير مشروطة بكتل وأنظمة
معينة, وانا بهذا لا اجزم بان نظرية الكم هي النظرية المسلمّة التامة وانما هي
الأقرب لتفسير الحقائق حتى يومنا هذا.
إعداد: سامي عايش عناقره - Sami A. Anagreh






تعليقات
إرسال تعليق