الجاحظ.. بنظرة أقرب


الجاحظ بنظرة أقرب 

 الجاحظ ابو عثمان عمرو بن بحر البصري

رسم تخيلي للجاحظ*

فصيحُ اللّسان..مُتمّ الكلام..راجحُ العقل..سديد الرأي..نعم هو الجاحظ صاحب أبلغ ما جاء في الأدب العربي الا وهو كتابه "البيان والتّبيين" فيه من عذب الكلام ما استحكمْ وفصيح الشعر ما ندُرْ وجميلُ الخُطَبِ ما جادْ..فيه ما لا تجده في غيره من الكتب, هو الجاحظ الكنانى ابو عثمان - عمرو بن بحر بن محبوب بن فزاره الليثى الكنانى البصرى (776م-868 م) والذي كان من كبار أئمه الأدب فى العصر العباسي.

كان الجاحظ جهّينة عصره واسع المعرفة وغزير الثقافة وان كنت أتجرع السمّ عندما اقول لفظ "الجاحظ" حيث انه كان يكره ذلك من الناس بسبب جحوظاً كان في حدقّتيه وكان يحب ان ينادى باسم "عمرو" فليس ذوقاً بأن يذكر بشيء كان يكرهه وهو تحت التراب وانا أرى انه تقديراً له ولسعة علمه ان نسمّيه بما كان يحب لكنني جئت بما جاء به المؤرخون في الأدب لانني ان قلت عمرو البصري او ابو عثمان البصري لما علم أحد من الذي نتحدث عنه, حيث كان عمرو البصري من المعتزلة وان كانوا قد حادوا عن الطريق والمنهج القويم للإسلام لكن نحن هنا في هذا المقام نذكر عنه أدبه وعلمه وليس ذكراً لعقيدته ومنهجه فعلمها عند الله والله عفوٌ كريم.

كان لا يترك كتابا الا ويقرأه..له صلة بالكتب كأنها قطعة منه ولا تجد أثراً او مخطوطاً له الا وللكتاب حظا وفيرا ومما قال فيه "ما رأيت شجرة أطول عمراً ولا أطيب ثمرةً ولا اقرب مجتنى من الكتاب" . وممّا يميّزه عن غيره من اعلام الأدب في قراءة الكتب هو فهم ما جاء فيها بدون معلم وهذا من سعة علمه ومع هذا فهو لا يلغي دور المعلمين في اثراء الفكر حتى وان كان يختلف معهم في بعض الأمور حيث ان هذا يعد الخطوة الاولى للإبداع وتحفيز العقل للتفكير وإبداء الرأي.

كان يخالط الأعراب كثيرا حتى يأخذ عنهم اللغة مشافهة لان الأعراب هم أقحاح العرب في ذلك الزمن فكان بهذا يأخذ اللغة من منبعها بالاستماع الى أقوالهم وانتقاء الفاظهم في الكلام. فكان نتاج ذلك ان جعل مجمل تركيزه على بنية الألفاظ وبلاغتها وان فهم المعنى ليس بذلك الشأن امام البلاغة والفصاحة وقال في هذا "والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي" وهنا يبين ان اَي احد يسهل عليه ايضاح المعنى او الوصول اليه في أمر ما لكن ليس من السهل ان يأتي احدهم بالمبنى وجودة اللغة وهذه دلالة على انه كان يرحب بالألفاظ البلاغية وبنائها اكثر من إيضاح المعنى نفسه بنصوص تفتقر الى الفصاحة والاستحكام.

وبرأيي هذا ما ميّز كتابه "البيان والتبيين" عن غيره من الكتب فهو لم يذكر فيه مقولةً او شعراً الا وكانت محكمة المبنى والمعنى معاً حيث انني وجدت في كتابه فصيح الشعر والحكم والنثر والأقوال مما أُحسنَ سبكه وقلت حروفه ودلّت معانيه ورأيت ايضاً انه كان يتحرى نوادر الكلام والأدعية وفيه من النصائح ما يسطر بماء الذهب وهذه الامور قلّما تجدها في بطون كتب الأدب الاخرى وسوف يتضح ذلك لكم عند قراءة هذا الكتاب.

وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته في المجلد الثاني فيما جاء في الأدب "سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أُصول هذا الفن وأركانه أربع كُتب هي: "أدب الكاتب" لابن قتيبة، وكتاب "الكامل" للمبرد، وكتاب "البيان والتبيين" للجاحظ، وكتاب "الأمالي" لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها” وهذه شهادة وكلمة ثناء جاءت في حق الجاحظ بأنه "معلم أول" اَي صاحب صنعة وهي الأدب فيؤخذ عنه هذا الفن ويعتبر مرجعاً من مراجع الأدب العربي وعلم الكلام وغيرها من العلوم التي تميز بها بايجاد علم خالص من عقله ليس منقولا او متواترا.

ولم يقتصر علمه في الأدب العربي فحسب وإنما أبحر في الأدب الفارسي واليوناني والهندي ومن اهم كتبه "البخلاء" و "الحيوان" و"المحاسن والأضداد" ورسائله الأدبية التي خطها بعقله ولم يستشهد فيها بأي قول من أقوال من سبقوه وهذه تسجل له في ديوان الإبداع.


إعداد: سامي عايش عناقره - Sami A. Anagreh

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما لا تعرفه عن شريحة الدماغ أو شريحة ايلون ماسك ( نيورالينك Neuralink)

الازدواجية السيكـوفيـزيائيـة...ماذا لو كشفنا عن أوجه البشر المتقلبة!!!

فلسـفة الإلكتــرون.. مالم نكـن نعـلمه..